سورة المؤمنون - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)}
{قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} والفلاح الفوز بالمرام، وقيل: البقاء في الخير والإفلاح الدخول في ذلك كالإبشار الذي هو الدخول بالبشارة، وقد يجىء متعديًا وعليه قراءة طلحة بن مصرف. وعمرو بن عبيد {أَفْلَحَ} بالبناء للمفعول، و{قَدْ} لثبوت أمر متوقع وتحققه، والظاهر أنه هنا الفلاح لأن قد دخلت على فعله وهو متوقع الثبوت من حال المؤمنين، وجعله الزمخشري الإخبار بثباته وذلك لأن الفلاح مستقبل أبرز في معرض الماضي مؤكدًا بقد دلالة على تحققه فيفيد تحقق البشارة وثباتها كأنه قيل: قد تحقق أن المؤمنين من أهل الفلاح في الآخرة، وجوز أن يكون جملة {قَدْ أَفْلَحَ} جواب قسم محذوف وقد ذكر الزجاج في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها} [الشمس: 9] أنه جواب القسم المذكور قبله بتقدير اللام.
وقرأ ورش عن نافع {قَدْ أَفْلَحَ} بالقاء حركة الهمزة على الدال وحذفها لفظًا لالتقاء الساكنين كما قال أبو البقاء وهما الهمزة الساكنة بعد نقل حركتها والدال الساكنة بحسب الأصل لأنه لا يعتد بحركتها العارضة.
وقرأ طلحة أيضًا {قَدْ} بضم الهمزة والحاء والقاء واو الجمع وهي مخرجة على لغة أكلوني البراغيث، وقول ابن عطية هي قراءة مردودة مردود، وعن عيسى بن عمر قال: سمعت طلحة يقرأ {قَدْ فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} فقلت له: أتلحن؟ قال: نعم كما لحن أصحابي، ولعل مراده إن مرجع قراءتي الرواية ومتى صحت في شيء لا يكون لحنًا في نفس الأمر وإن كان كذلك ظاهرًا، وإثبات الواو في الرسم مروى عن كتاب ابن خالويه.
وفي اللوامح أنها حذفت في الدرج لالتقاء الساكنين وحملت الكتابة على ذلك فهي محذوفة فيها أيضًا، ونظير ذلك {وَيَمْحُ الله الباطل} [الشورى: 24] وقد جاء حذف الواو لفظًا وكتابة والاكتفاء بالضمة الدالة عليها كما في قوله:
ولو أن الأطبا كان حولي *** وكان مع الأطباء الاساة
وهو ضرورة عند بعض النحاة، والمراد بالمؤمنين قيل أما المصدقون بما علم ضرورة أنه من دين نبينا صلى الله عليه وسلم من التوحيد والنبوة والحشر الجسماني والجزاء ونظائرها فقوله تعالى:


{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)}
{الذين هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خاشعون} وما عطف عليه صفات مخصصة لهم، وإما الآتون بفروعه أيضًا كما ينبىء عنه إضافة الصلاة إليهم فهي صفات موضحة أو مادحة لهم، وفي بعض الآثار ما يؤيد كونها مخصصة وجعل الزمخشري الإضافة للإشارة إلى أنهم هم المنتفعون بالصلاة دون المصلى له عز وجل، والخشوع التذلل مع خوف وسكون للجوارح. ولذا قال ابن عباس فيما رواه عنه ابن جرير. وغيره خاشعون خائفون ساكنون. وعن مجاهد أنه هنا غض البصر وخفض الجناح، وقال مسلم بن يسار. وقتادة: تنكيس الرأس، ساكنون. وعن مجاهد أنه هنا غض البصر وخفض الجناح، وقال مسلم بن يسار. وقتادة: تنكيس الرأس، وعن علي كرم الله تعالى وجهه ترك الالتفات. وقال الضحاك: وضع اليمين على الشمال.
وعن أبي الدرداء إعظام المقام وإخلاص المقال واليقين التام وجمع الاهتمام، ويتبع ذلك ترك الالتفات وهو من الشيطان فقد روى البخاري. وأبو داود. والنسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة أنه قال في مرضه: أقعدوني أقعدوني فإن عندي وديعة أودعنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يلتفت أحدكم في صلاته فإن كان لابد فاعلًا ففي غير ما افترض الله تعالى عليه».
وترك العبث بثيابه أو شيء من جسده، وإنكار منافاته للخشوع مكابرة، وقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول لكن بسند ضعيف عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلًا يعبث بلحيته في صلاته فقال: «لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه» وترك رفع البصر إلى السماء وإن كان المصلي أعمى وقد جاء النهي عنه، فقد أخرج مسلم. وأبو ادود. وابن ماجه عن جابر بن سمرة قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم» وكان قبل نزول الآية غير منهي عنه، فقد أخرج الحاكم وصححه. وابن مردويه. والبيهقي في سننه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت {الذين هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خاشعون} فطأطأ رأسه» وترك الاختصار وهو وضع اليد على الخاصرة وقد ذكروا أنه مكروه.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: «الاختصار في الصلاة راحة أهل النار» أي إن ذلك فعل اليهود في صلاتهم استراحة وهم أهل النار لا أن لهم فيها راحة كيف وقد قال تعالى: {لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 75] ومن أفعالهم أيضًا فيها التميل وقد جاء النهي عنه.
أخرج الحكيم الترمذي من طريق القاسم بن محمد عن أسماء بنت أبي بكر عن أم رومان والدة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: رآني أبو بكر رضي الله تعالى عنه أتميل في صلاتي فزجرني زجرة كدت أنصرف عن صلاتي ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا قام أحدكم في الصلاة فليسكن أطرافه لا يتميل تميل اليهود فإن سكون الأطراف في الصلاة من تمام الصلاة» وقال في الكشاف: من الخشوع أن يستعمل الآداب وذكر من ذلك توقي كف الثوب والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم والسدل والفرقعة والتشبيك وتقليب الحصى. وفي البحر نقلًا عن التحرير أنه اختلف في الشخوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها على قولين والصحيح الأول ومحله القلب اه، والصحيح عندنا خلافه، نعم الحق أنه شرط القبول لا الاجزاء.
وفي المنهاج وشرحه لابن حجر ويسن الخشوع في كل صلاته بقلبه بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه وإن تعلق بالآخرة وبجوارحه بأن لا يعبث بأحدها، وظاهر أن هذا مراد النووي من الخشوع لأنه سيذكر الأول بقوله: ويسن دخول الصلاة بنشاط وفراغ قلب إلا أن يجعل ذلك سببًا له ولذا خصه بحالة الدخول.
وفي الآية المراد كل منهما كما هو ظاهر أيضًا، وكان سنة لثناء الله تعالى في كتابه العزيز على فاعليه ولانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، ولأن لنا وجهًا اختاره جمع أنه شرط للصحة لكن في البعض فيكره الاسترسال مع حديث النفس والعبث كتسوية ردائه أو عمامته لغير ضرورة من تحصيل سنة أو دفع مضرة، وقيل يحرم اه، وللإمام في هذا المقام كلام طويل من أراده فليرجع إليه.
وتقديم الظرف قيل لرعاية الفواصل. وقيل ليقرب ذكر الصلاة من ذكر الإيمان فإنهما أخوان وقد جاء إطلاق الإيمان عليها في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمانكم} [البقرة: 143] وقيل للحصر على معنى الذين هم في جميع صلاتهم دون بعضها خاشعون، وفي تقديم وصفهم بالخشوع في الصلاة على سائر ما يذكر بعد ما لا يخفى من التنويه بشأن الخشوع، وجاء أن الخشوع أول ما يرفع من الناس، ففي خبر رواه الحاكم وصححه أن عبادة بن الصامت قال: يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلًا خاشعًا.
وأخرج ابن أبي شيبة. وأحمد في الزهد، والحاكم وصححه عن حذيفة قال: «أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة وتنتقض عرى الإسلام عروة عروة» الخبر.


{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)}
{والذين هُمْ عَنِ اللغو} وهو ما لا يعتد به من الأقوال والأفعال، وعن ابن عباس تفسيره بالباطل، وشاع في الكلام الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغاء وهو صوت العصافير ونحوها من الطير: وقد يسمى كل كلام قبيح لغوًا، ويقال فيه كما قال أبو عبيدة لغو ولغا نحو عيب وعاب، وأنشد:
عن اللغا ورفث التكليم ***
{مُّعْرِضُونَ} في عامة أوقاتهم لما فيه من الحالة الداعية إلى الإعراض عنه مع ما فيهم من الاشتغال بما يعنيهم، وهذا أبلغ من أن يقال: لا يلهون من وجوه، جعل الجملة اسمية دالة على الثبات والدوام، وتقديم الضمير المفيد لتقوى الحكم بتكريره، والتعبير في المسند بالاسم الدال كما شاع على الثابت، وتقديم الظرف عليه المفيد للحصر، وإقامة الإعراض مقام الترك ليدل على تباعدهم عنه رأسًا مباشرة وتسببًا وميلًا وحضورًا فإن أصله أن يكون في عرض أي ناحية غير عرضه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8